دورة الإنتاج الموسيقي في فلسطين: من عكا إلى غزة. حلقة للـ "الوضع" من برنامج المشهد الموسيقي والبديل في العالم العربي.
إن الإنتاج الموسيقي في العالم العربي يتّسم بالإثارة؛ في فلسطين، تكتسب هذه الإثارة معنى جديداً كلياً. في هذه الحلقة من برنامج الوضع، نستكشف البيئة الموسيقية في فلسطين من خلال حوارات مع المنتج والناقر سامر جرادات وعدد من الموسيقيين من مختلف المناطق في فلسطين.
سامر جرادات - مؤسس جرادات للإنتاج وناقر ومنتج.
تيريز سليمان - مغنية مستقلة، مؤلفة أغاني، ومدربة مهارة صوت.
محمود جريري - مشارك في تأسيس ومدير تنفيذي لإندي بوش وفنان هوب هوب (مشارك في
(تأسيس دام.
شروق قواريق - مديرة تطوير أعمال في إندي بوش.
محمد نجم - عازف كلارينيت وعضو مؤسس للأوركسترا الوطنية الفلسطينية.
أنس النجار - عضو في فرقة وتر ومدرّس القانون ونظرية الموسيقى في معهد إدوارد سعيد للموسيقى في غزة.
اسماعيل داوود - ناقر وطالب دكتوراه في علم الموسيقى.
دورة الإنتاج الموسيقي في فلسطين: من عكا إلى غزة
أجرت المقابلات: هدى عصفور
صاغه باللغة العربية الفصحىأسامة إسبر
هدى عصفور: حلقة اليوم هي عن الإنتاج الموسيقي في فلسطين، ضيوفنا كثيرون، تحدثتُ مع عازف الإيقاع والمنتج سامر جرادات، مع عازف الكلارينيت محمد نجم، ومعنا أيضاً ثلاثة ضيوف من غزة هم اسماعيل داوود مدرس آلة العود والنظريات في معهد ادوراد سعيد في غزة،أنس النجار مدرس آلة القانون وعضو في فرقة وتر باند وخميس أبو شعبان وهو المغني الرئيسي في الفرقة نفسها، تحدثت أيضاَ مع محمود جريري وشروق قواريق عن تجربتهما في “اندي بوش”، وعرفونا على هذا المشروع المتميز لدعم الموسيقيين المستقلين في فلسطين وفي كل العالم، وأخيراً كان لي وقفة سريعة أيضاً مع تيريز سليمان وهي مغنية ومؤلفة أغاني. أناهدى عصفور وهذه حلقة جديدة عن الموسيقى المستقلة والبديلة في العالم العربي
من خلال الوضع.
سامر جرادات: اليوم هو الجمعة وكل الفصائل دعت إلى مسيرات على غير العادة. أنا بيتي إلى جانب المستوطنة، ليس بعيداً عنها، الجو في الخارج متوتر جداً، أنا جالس معك الآن وأرى الجيش والمستوطنين، ومن الواضح أنهم مستنفرون والوضع غير طبيعي ومن الصعب جداً أن نتحرك من البيت
كيف يتأثر سفرك؟
سامر جرادات: أنا لا أعرف بصراحة ما سيحدث ولكن في أسوأ الأحوال يمكن أن أؤجل سفري بالطائرة يوما.
هدى عصفور: من الممكن أن مفهوم الإنتاج من الأصعب على الناس أن يفهموه من أي جزء ثاني من المرحلة الموسيقية. ماذا يعني الإنتاج الموسيقي، فأنت لا تدفع الفاتورة فحسب، أليس كذلك؟
سامر جرادات: إن فكرة الإنتاج التي نشتغل عليها هنا، أو منهجية العمل الخاصة بي، هي أنني جزء من الفرقة بمعنى أنه لدينا فكرة فنية سنشتغل عليها. نشكل المجموعة ونبدأ بالاشتغال على تفاصيل العمل، موسيقياً، ومن ناحية الكلمات وناحية الألحان، شكل الفريق من ناحية الشكل الفني للعمل، المسرح، نطرح كل هذه التفاصيل لوجستياً وإدارياً، إلخ. إن مفهوم الإنتاج لا يعني أنني أدفع نقوداً كي يظهر الفريق، نهائياً ليس الأمر هكذا. فمثلاً هناك مشكلة كبيرة هي أنه في فلسطين بشكل عام لا يوجد لدينا بيئة إنتاج موسيقي وبالتالي نفتقر إلى كل العوامل التي تؤدي إلى إنتاج عمل موسيقي يمكن ترويجه ويمكن إنتاجه بمواصفات، إلخ. انطلاقاً من هذا أستطيع القول إن إنتاجأي عمل موسيقي في بلد يفتقر لأساسيات الإنتاج الموسيقي هذا صعب بحد ذاته، ويشكل تحدياً لأن المنتج والموسيقي والفريق يفعلون كل شيء من تسجيل استديو إلى عرض إلى بيع تذاكر لترويج العمل، إلى تسويقه وكل هذه الأمور. تخيلي مثلاً جولة العروض لألبوم الطابق الرابع لمحمد نجم، نحن نشتغل على جولة عروض محددة قبل سنة. لماذا؟ طبعاً لأن هناك مجموعة كبيرة من الباند المشاركين في هذا العمل أجانب، فبعضهم من ألمانيا واليونان وفرنسا، وهؤلاء لديهم برنامج يكون واضحاً قبل وقت طويل، بالتالي يجب أن نحجز، أو نتحدث مع هؤلاء الموسيقيين لحجز هذه العروض قبل وقت طويل.
الكارثة هي أننا قررنا مواصلة هذا العمل وظل هذا العمل قائماً حتى أن محمد جاء من فرنسا إلى فلسطين. وفي اليوم التالي لوصوله بدأت الأحداث. فكرنا بالتأجيل بسبب ذلك فحدث نوع من التوتر. في النهاية قررنا الإلغاء والسبب هو ليس لأننا نفعل شيئاً سيئاً، بالعكس، أنا برأيي أن هذا العمل الثقافي عمل مهم، ويجب أن يستمر ويظل حتى بوجود الأحداث، ولكن ما كان موجوداً على الساحة وما نفكر به هو أن هناك أولويات بمعنى ماذا نفعل الآن، وماذا نروّج، إلى أين نذهب. أتخيل أن الوضع العام في الشارع الفلسطيني لم يكن يسمح لهذا العمل بأن يأخذ حقه من ناحية الترويج والتسويق والعروض.
محمد نجم: بدأنا نحن هكذا.
هدى عصفور: هناك مشروع تشتغل عليه لأكثر من سنة. أخيراً بعد كل الترتيبات هناك جولة عروض، ونحن نعرف مدى صعوبة ترتيب أمور كهذه، في العالم فما بالك في فلسطين، هل يمكن أن تحدثنا عن هذه التجربة من فضلك.
محمد نجم: كما تعرفين في فرقة موسيقية يبدأ المرء ببناء القطع، الجهد الذي يبذله ثم الانتقال إلى مرحلة التطبيق، التوزيع واختيار الموسيقيين، ثم إيجاد الطاقات التي ستنتج هذا العمل، وأنا محظوظ جداً أن سامر جرادات هو المنتج وهو الصديق الذي آمن بالفكرة وعمل على تطبيق هذا العمل كي يصبح واقعاً. كانت التحضيرات جارية منذ أكثر من عامين ورتبت كل الجهود في نهاية 2013 و2014. واتصلنا بالموسيقيين كي نقوم بالعمل كله، وكل هذا يُترجم بعد التسجيل لإطلاق الألبوم، وبالطبع كان هناك آمال كبيرة وطاقات كبيرة ليس مني فحسب بل من كل الموسيقيين المشاركين في الألبوم. وأكيد من سامر ومن الأصدقاء والأشخاص الآخرين الذين يحبون سماع هذاالعمل. ما حدث هو أنني ذهبت في 3\\10 من الشهر، كنت من أوائل الواصلين، وصلت في الرابع من الشهر، وكانت الأوضاع مضطربة وسيئة. جلست أنا وسامر وشعرنا أن هناك خطأ ما سيحدث وأن الموضوع يكبر، أتيت وأنا منذ سنة ونصف أنتظر اللحظة مثل الجميع لإطلاق الألبوم، وكما يقولون يجب أن يرى النور، لكنه لم ير النور ولا من يحزنون
هدى عصفور: كيف يؤثر هذا على العمل إجمالاً، مثلاً جولة العروض في فلسطين ليست هي الجولة الوحيدة لإطلاق الألبوم، أليس كذلك؟
محمد نجم: كانت هي الجولة الأولى. وقد نظمت جميع تفاصيلها، وكنت أنا وسامر متفقين على النقطة نفسها بأن يكون التسجيل والإنتاج والإصدار وكل شيء آخر من البلد، أي محلياً، حاولنا أن نكسر مسألة الذهاب إلى بلد ثان للقيام بهذه الأمور، قمنا ببعض التحدي، وسامر مارس التحدي في كل الإنتاجات التي قام بها. أردنا أن يكون ألبومي منتجاً بأيدي محلية من التسجيل إلى الطباعة. إلى التوزيع، إلخ. لقد أحببنا أن يكون الإصدار الأول للألبوم والافتتاح في البلد، هنا في فلسطين، وليس في الخارج ثم أعود إلى البلد، بل أبدأ في الداخل ثم أخرج.
سامر جرادات: لقد لحق بي الضرر كثيراً على الصعيد الشخصي، لأنني لست مؤسسة أو شركة كبيرة لديها احتياطي، لم نقدر على تأمين تذاكر طائرة للموسيقيين، أو أجور صالات العرض، المواصلات، والأمور اللوجستية وقد كان صعباً جداً علينا تأمين هذه الكلفة. وكذلك لدينا في السابق أجور مدفوعة كمثل القاعات وتذاكر الطيران، فهناك مجموعة تكاليف كانت مدفوعة مسبقاً، تمكنا من استرداد جزء منها وليس كلها. بالتالي الخسارة ليست خسارة بالمعنى الحقيقي للكلمة بقدر ما هي أننا سنرجع ونعيد العملية كلها من البداية، وهذا في الحقيقة صعب جداً، ومتعب
هدى عصفور: هل هذا معناه أن بقية العروض مجمدة إلى أن يتم إطلاق الألبوم في فلسطين؟
محمد نجم: أنا شخصياً أحب أن يكون الأمر هكذا، أن تكون باكورة عملي أو ألبومي الأول في بلدي، أن تسمعه الناس هنا في بلدي. لأن الناس هؤلاء الذي سيسمعوه هنا دعمونا كلنا في عروض سابقة. فهذا حقهم وحقي أنا في بلدي أن أرفع رأسي بعمل كهذا، وأن يرفعوا هم رأسهم بي إذا كان العمل ناجحاً.
كان عام 2003 غريباً، كل واحد منا وهو صغير كان لديه شيء ما، وأنا كنت أكتب مذكرات صغيرة، إحدى الأمنيات التي كتبتها هي أن أشكل مجموعة كل شخص منها من بلد، وكتبت أنني سأذهب للدراسة في فرنسا، ولقد أرشفت هذه الورقة في 2003 وأخرجتها في 2006 حيث ذهبت إلى فرنسا ودرست وفي 2013- 2014 شكلنا هذه المجموعة، وتبين لي أن كل ما كتبته كان يحدث. وأنا سعيد جداً أنه لدينا ديو اسمه لقاء مع عازف الأوكورديون العالمي المميز مانفريد لويشتر وعازف الإيقاع المهم طاهر رنتيسي، وصادف كذلك عازفة الفيولا فرنسية، عازف الكمنجة بولندي، التشيلو طلياني، وعازف العود والبيانو الذي أيضاً غنى بالألبوم باليوناني هو يوناني،ومن فلسطين، فكانت المصادفة أن كل من شارك في العمل كان من بلد، ولم يكن الأمر مقصوداً كثيراً، لكنه حدث بالضبط كما أردته أن يحدث. فصارت له نكهة مميزة
هدى عصفور: جميل أن نرى عملاً كهذا يمكن أن يخلق في فلسطين في محل من الصعب الوصول إليه بمقاييس كثيرة
سامر جرادات: تعمدت أن أختار في الألبوم ثلاث مقطوعات ليست من عملي وهي مقطوعة عثمانية ومقطوعة يونانية ومقطوعة شامية، وقصدت أن أختار هذه المقطوعات، وتعمدت أن يكون هناك في التوزيعات صهر أو مزج لأن موقعنا الجغرافي تاريخياً انفتح على كل هذه الثقافات وكل هذا الانصهار، ولهذا نحن في هذا البلد الصغير المغلق نكون أحياناً منفتحين أكثر من أي بلد ثان، فأتخيل أنه من الطبيعي أن يحدث هذا وما هو أكثر منه. لا أريد أن أتحدث فقط عن هذا العمل. أنا لاحظت أيضاً من خلال تدريسي مع الطلاب واختلاطي مع الموسيقيين والناس والعالم في مجال الموسيقا أن لدينا في البلد الكثير من الطاقات المبدعة. مثال على ذلك ، في قطاع غزة المحاصرمن كل الجهات أقمنا ورشة عمل العام الماضي وتمكنوا من المجيء إلى بيرزيت عن طريق الأونروا التي قدمت لهم التصاريح واكتشفنا كم هناك من العازفين الأطفال يعزفون بطريقة خيالية لا يمكننا تصورها، هكذا هو الأمر في هذا المكان الصغير فما بالك في الضفة، هناك الكثير من الأشخاص الذين ينتجون ويعملون ولا ينقصهم سوى الفرصة
هدى عصفور: في آخر هذه السنة أنظر أنا إلى حوالي سبعة أعمال في 2014.
سامر جرادات: أنا أعمل كمنتج بشكل خاص، أي أعمل في اتجاهين: الأول إنتاج الألبومات لفرق فلسطينية جديدة، وإذا لاحظت لا يوجد ألبوم واحد لفرقة لديها إنتاج سابق، والاتجاه الثاني هو المشاريع الموسيقية المختصة، أو فيها فكرة الدمج بين ألوان موسيقية مختلفة، وهذا يعتبر بالنسبة لي شخصياً رحلة بحث خاصة بي أنا كسامر. ممكن أن أمضي عليها عمري. وهذا المحل يأخذ مني الكثير من الجهد والتفكير، وقد تمكنا أحياناً من القيام بمشاريع هي تجريبية كي نفحص بعض المفاهيم على صعيد فكري. هذان هما الاتجاهان اللذان أعمل فيهما، في الاتجاه الأول أنتجنا سبعة ألبومات حتى هذه اللحظة، والجميل في الموضوع أن كل ألبوم يمثل فرقة تنتهج خطاً موسيقياًمختلفاً عن الآخر. هناك فرق لديها أسلوب الروك، أو عربي. ما أقصده هو أن الألبومات مختلفة جداً من ناحية المحتوى والمضمون الموسيقي. منها ألبوم لفرقة هوا دافي، وألبوم لفرقة تيريز سليمان يزن والأصدقاء منها ألبوم للطابق الرابع لمحمد نجم وألبوم شراكة لباند من هنا ومن النروج، ألبوم قرار لفرقة رباعي أوان، ألبوم رسائل، ألبوم بيانو، ألبوم نقش الذي أنتج قبل ثلاث سنوات، وحالياً ننتج مجموعة ألبومات ثانية لفرق ثانية سيصدر جزء منها قريباً. إن أحد الأمور التي يمكن أن تخلق بيئة في هذا المحل تحفز الموسيقيين من جهة، وقادرة على خلق إطار محترف لهؤلاء الموسيقيين الذين يقدرون أن يهتدوا به، ومن جهة ثالثة توثيق المرحلة، فبالنسبة لي هذا هم كبيرجداً، فمثلاً حين رجعت إلى فترة الثمانينات لا أستطيع أن أعثر إلا على تجربة فرقة صابرين مثلاً، وأنا أعرف تلك الفترة من خلال الأشخاص الذين عاصروها والذين ألتقي معهم بشكل مستمر، أعرف أنه كان هناك تجارب ثانية غير صابرين، لكن ما وصلنا من تلك التجربة هو صابرين، وهؤلاء الذين أقابلهم سينتهي جيلهم قريباً (بعد عمر طويل)، وأتصور أن تجربتهم ستموت معهم بالتأكيد لأنه ليس هناك توثيق لهذا الأمر في أي شكل من الأشكال. لذلك برأيي إن توثيق المرحلة موسيقياً مهم جداً وأنا معه لكل الأشكال وبكل التنوع دون قيود أو قواعد محددة. أنا مع توثيق أي عمل فني في فلسطين في هذه المرحلة
هدى عصفور: ما هي المعوقات في فلسطين حتى في ظل هذا الوضع السياسي، ما نوع المناخ الذي تعيش فيه اليوم؟
محمد نجم: أولاً كموسيقيين لدينا مشاكلنا التي نواجهها، والتي يواجهها أي موسيقي في العالم كالعثورعلى صالات تستقبل عرضك، تمولك وتساعدك في كل عوامل العروض كالإعلان وغيره. نحن في وضع خاص، فالاحتلال يريدك كموسيقية أو مواطن أن تعلقي كل المشاكل على الاحتلال وتتوقفي وتقولي لا أستطيع فعل أي شيء لأن كل شيء مغلق في وجهنا، لكن لم تنجح هذه الأمور لحسن الحظ لأنه لو اعتمدنا على حجة الصعوبة في ظل الاحتلال وتوقفنا عن عمل أي شيء لن يكون لدينا شيء الآن. ما يحدث معي بشكل شخصي وبين أصدقائي وزملائي هي مسألة أماكن التسجيل. كانت لدينا فقط فرصة واحدة كي نسجل فيها، في استديو صابرين في القدس، فواجهتنامشاكل كثيرة كقصة التصاريح، وقمنا بإدخال طارق رنتيسي عن طريق التهريب، وكانت القصة مغامرة وحرق أعصاب وقد عشت هذه المسألة.
هدرنا طاقة كبيرة على شيء من المفترض أي شخص في العالم يمكن أن يقوم به بشكل طبيعي جدا، بدون هذا النوع من المشاكل. بالنسبة لنا كان الذهاب إلى الاستديو مجهداً ومبدداً للطاقة ويكون المرء متوتراً بسبب ما يراه في الطريق. بالنسبة للطلاب، من حق الطالب أن يذهب ويتلقى حصصه بشكل طبيعي دون أن “يهكل هماً”. كان لدي طالب كان يحضره والده كل مره في 2011 و2012، لكن والده توقف عن المجيء لأنه اعتقل، هو يعمل في منظمة غير حكومية ولكن ليس لديه ملف سياسي، ولكنه اعتقل بحكم إداري، بعدها تغير الطالب وتوقف عن العمل، ولم يعد لديه حافز. هذه من المشاكل التي تواجهنا بشكل يومي ودائم، فالمرء غير ضامن إذا كان عنده عرضغداً إن كان سيحدث شيء أم لا، كإضراب أو غيره، ولكن رغم كل هذا، كما تعرفين، خلق الشباب حالة جديدة والتي هي النكات والمزاح للتخفيف من الجو والتأكيد على ضرورة العمل. وأنا احترمت كثيراً سامر جرادات أنه حين أجلنا جولة العروض، طرح فكرة جديدة مفادها أن نسجل شيئاً ثانياً، صار لدينا حديثاً استوديو ممتاز في رام الله ورغم أنه غير جاهز استخدمناه بإمكانياته، وهذا ما أريد قوله: لدينا ميزة في البلد على جميع الأصعدة، ليس فقط في الموسيقا والفنون، أي نأخذ شيئاً من لا شيء، نفعل شيئاً من لاشيء. نستخدم ما هو موجود ونعمل. سجلنا مع عدة موسيقيين أربع أو خمس قطع تقريباً، استغلينا الوقت وكنا نبقى حتى الرابعة صباحاً، وكان لدى الجميعطاقة، وكانوا مؤمنين بالفكرة ومتحمسين للعمل. قام سامر بتحريك كل هذه الطاقات، جمعها ككوكتيل، وحدث هذا لأنه كان لدينا شيء نريد أن نتحدث عنه، وكنا محظوظين أنه لدينا الآلة كي نعبر عن طريقها، هكذا نمضي حياتنا ونواجه هذه الظروف، ثم لدينا مشكلة وأكيد أقل من غزة، فمثلاً في الضفة أقول: غداً أعرض في رام الله وبعد ذلك في نابلس ثم بيت لحم وبعد ذلك: أين؟ لا يوجد مكان، تحتاجين إلى القدس أو حيفا، أو الجولان أو يافا، تحتاجين من أجل هذا إلى تصريح، قد يخرج قبل يوم أو يمكن أن لا يتم إصداره مما يؤدي إلى التوتر. هذا شيء من المفروض ألا نتناقش به كشعب وكناس لأنه يجب أن يكون طبيعياً لكن الاحتلال يقوم بخنقنا.
هدى عصفور: ما هي المؤسسات التي تعمل على تعليم أو الإرشاد في هذا المجال، مجال الإنتاج الفني في المنطقة العربية؟
سامر جرادات: لا يوجد.
هدى عصفور: ماذا عن الورشات التي تحدثت عنها في عمان؟
سامر جرادات: هذه مشاركات في تنظيم إنتاجات، فمثلاً أنا اشتغلت على أكثر من مشروع والذي هو عبارة عن إنتاج، وبالنسبة لي كانت هذه التجربة على صعيد أكاديمي وعلى صعيد عملي، فمثلاً كانت الإنتاجات في النروج، بالنسبة لي الإنتاج في النروج إزاء الإنتاج في فلسطين مثل مفهوم الجنة والنار. فهناك ليس عليك إلا أن تفكري وتطبقي. ما أريد قوله هو أنه هناك أمثلة في الوطن العربي والعالم نستطيع الاستفادة منها وهذا ما يحدث، لكن الإشكال يحدث في التطبيق لأن هذا يعني ظروفاً متغيرة وغير ثابتة يجب أن تتعاملي بها بطرق تقتضي أن يكون لديك خبرة ووعي لهذه الظروف، هذا من جهة، أما من جهة ثانية، فكما قلت لك: نحن نخلق هذا الشيء، ما نزالنبني هذه البيئة والجو والمشروع الذي هو مناخ الإنتاج الموسيقي في فلسطين الذي لم يتمكن أحد من العمل فيه. إن العملية الني نبدأ بها لا يوجد فيها شيء ثابت، معظمها متحرك ومتغير، وهناك في فلسطين مثلاً إحدى الفرق الموجودة والتي نعمل حالياً على إنتاج لها هي يالالان، وهي فرقة موجودة من ٢٠٠٥ في البلد، ويالالان عندها شيء جميل جداً كي تقدمه، وجمهورها كبير جداً في فلسطين وعدة ميزات وعدة أشياء أخرى لكنها معروفة للجمهور الذي يعرفها، وكان يأتي إلى عروض يالالان من يعرفها فقط. إن هذا الجو يضايقني، بمعنى أنه إذا أردت أن أبحث عن يالالان فإن ما يمكن أن أعثر عليه على اليوتيوب هو فيديو أو اثنان، وهذا يدفعني إلى السؤال: لماذا؟ يجب أن يكون لهذه الفرقة تجربتها الخاصة، وبدأنا، وانظري من أين نبدأ.
كانت يالالان تشتغل موشحات وأدواراً ، إلخ، لنفكر نحن بمادة تنتجها يالالان بشكل مستقل وبدأنا من هنا، تحدثت مع الفرقة وقلت لهم لنبدأ بالحديث عن مادة جديدة وبالفعل حدث هذا، وصارت يالالان تمتلك مادة أصيلة كلها من ألحانها مع تجربتها التي تأثرت بأكثر من اتجاه وأسلوب، ونحن الآن نسجل الألبوم في الاستديو ونحاول الآن بعد تجربة الألبومات التي أصدرناها أن يكون لدينا تعاون مع مجموعة شركات ومؤسسات في الوطن العربي وفي العالم تستطيع أن تروج لنا الأعمال الموسيقية. وفي الحقيقة هذه هي إحدى الإشكاليات التي نحتاج كثيراً إلي حلها ونعمل عليها بشكل حقيقي المرةالقادمة، وموضوع تسويق الألبومات، التسويق الموسيقي. كان لدينا تجربة لطيفة جداً وأنا سعيد بها وهي الإنتاجات التي أطلقناها مؤخراً من خلال الإنترنت على آي تيونس وكل المواقع التي تقوم ببيع الموسيقا، ولكن يبقى هناك أن يكون الألبوم موجوداً مادياً في المحل، ما أزال أرى هذا مهماً، ويجب أن يتم. وهذا يجب أن يتبعه عروض وأكثر من أمر، يجب أن يكون الألبوم مثلاً موجوداً في مصر. هذا ما نعمل عليه، ولن يأتي في مرة واحدة لأنه يحتاج إلى عمل وبناء علاقات ومتابعة وسيكون هذا شيئاً جميلاً مع مرور الوقت. إن الإنجاز الذي تمكنا من تحقيقه هو أننا نتعامل الآن مع شركة بونابايل للترويج أونلاين والترويج المادي في كل البلدان الاسكندنافية ودول أوربالمجموعة من الألبومات التي أنتجناها وسننتجها. هناك اتفافية تقريباً لمدة خمس سنوات معهم لتسويق هذه الألبومات ولتنظيم عروض في مجموعة دول، وقد بدأنا بهذا مسبقاً وسفري هذا الأسبوع يتعلق بهذا الموضوع. كيف يمكن أن نبني برنامج عروض لمدة ثلاث سنوات للفرق الفلسطينية.
هدى عصفور: كيف تؤثر حرية الحركة في فلسطين على عملية الإنتاج، وكيف تختار الأعمال كمنتج، ومعظم الأعمال التي تعمل عليها في الضفة و الشمال، أين غزة في خريطة الأعمال الموسيقية؟
سامر جرادات: بالنسبة لاختيار الأعمال، أنا كل الموسيقا جميلة بالنسبة لي، وكل شيء فيه بعد جمالي. ولكن ما أحاول القيام به في هذه الفترة هو إعطاء فرص للأشخاص الذين أمضوا فترات طويلة وهم يحاولون أن يفعلوا شيئاً دون أن يقدروا على ذلك، فأفكر أنه لدي مسؤولية تجاه هؤلاء الموسيقيين، فاختيار العمل بالنسبة لي ليس قائماً على معايير واضحة، بل أقوم بالانتقاء، فأنا لا أبحث عن مشاريع جماهيرية بقدر ما أبحث عن مشاريع نوعية، لا يهمني أن هذا المشروع عليه مليونان مشاهدة، بقدر ما يهمني أن يتوفق هذا المشروع في هذه المرحلة، لعل وعسى في المستقبل تصبح درجة التذوق أعلى، وتتغير الظروف ويحدث هناك انتباه لها، وهذا بصراحة محل صعبوخصوصاً حين تفكرين في نوع موسيقا هناك مشاكل فيه وفي ترويجه مع الناس وليس له جمهور واسع، هذا صعب ولكنني أتصور أنه ممتع لأنه يدخلنا في مراحل تجريبية كي نطور ونخرج بأشياء جديدة.
أما موضوع غزة فهو مؤلم، فكل ما أعرفهم من موسيقيين هناك هم أربعة أو خمسة، وغزة تمر في ظروف صعبة جداً، وهنا أتحدث على الصعيد الداخلي الفلسطيني، وليس موضوع الاحتلال، فمن الصعب جداً أن ننتج شيئاً في غزة أو نقدم العروض، وأنا شخصياً لا أستطيع الذهاب إلى غزة، فلو تمكنت من الوصول إلى هناك لقدرنا على خلق الفرص، والبحث والتطوير. لكن الوصول أو التواصل مع غزة صعب جداً، هذا من جانب، من جانب آخر، البنية التحتية غير موجودة، فهناك صعوبة كبيرة لدى الموسيقيين في غزة كي يتحركوا ويعملوا.
هدى عصفور: سامر أنت تقول أنك غير قادرة على الوصول إلى غزة، وكذلك إلى الجولان، هل هذا صحيح؟
سامر جرادات: لكن قلت لك إن الفرق شاسع بين المكانين، فكل من أعرفهم في غزة أربعة أو خمسة وهذا لم يأت من فراغ، لأننا لم نبذل جهداً، لأنه لا توجد بنية تحتية. في الجولان تحدث عروض، فنسمع، والفرق التي من هناك تستطيع المجيء إلى هنا إلى رام الله، فنلتقي كثيراً فنقوم بجولات عروض، ونلتقي أثناءها، والتقينا في عمان خارج البلد وفي أكثر من محل، ينطبق الأمر نفسه على تيريز. لكن موضوع تنسيق قدوم فرقة من غزة إلى الضفة هذا بحد ذاته مشروع يجب أن يُشْتغل عليه فترة من الزمن، ليس بسيطاً. هذا بالتأكيد ليس مبرراً. لو أستطيع العثور على عمل في غزة سأكون مندفعاً إلى هذه الفكرة. وبالفعل لا يوجد أي نوع من العلاقات بيننا وبين غزة على الصعيد الموسيقي.
إسماعيل داوود: حاصل على ماجستير في العلوم الموسيقية من تونس، أستاذ آلة العود في معهد ادوارد سعيد في غزة، وأستاذ المقامات والنظريات الموسيقية
خميس أبو شعبان: أي إضافة؟
خميس أبو شعبان: أنا خميس أبو شعبان أشتغل هنا في المعهد إداري لكن لست مدرساً، لكنني أعزف على أكثر من آلة موسيقية منها العود والغيتار والكمان، عملنا الأساسي في الموسيقا هو مع وتر باند، أنا وأنس وأربعة زملاء، المود الأساسي هو الكلاسيك روك والبوب. نحن نحاول أن نعزف بشكل أساسي في هذين المجالين. لكننا لم نصل إلى مرحلة التخصص. وفرقتنا والعروض التي نقوم بها موضوع معقد قليلاً. لأننا كفرقة لا نعرف أن نمارس الموسيقا بحرية في غزة، فنحن فرقة غربي ونعزف ونغني جيداً، لكننا نقوم بحفلتين في السنة. لماذا؟ لأنه لا يوجد إلا مكان واحد يحيي حفلات كهذه، إما المركز الفرنسي أو نقوم نحن نقوم بحفلة على عاتقنا ونبيع البطاقات،وقد جربنا مرة وخرجنا بسواد الوجه من حكومة غزة.
هدى عصفور: ماذا يعني سواد الوجه؟
خميس أبو شعبان: ألغوا الحفلة قبل يومين وقالوا نحن فاسقون وكلاب وكفرة.
إسماعيل داوود: كفرة؟
خميس أبو شعبان: نعم كفرة. هذه مسألة معقدة جداً. منذ فترة أعددنا ألبوماً مثلاً، انتهى منذ أربعة أشهر ولا نعرف أن نطلقه لأننا خائفون، يمكن أن يحرقوا المكان، يمكن أن يسجنونا بعد الحفلة، أو يخلقوا لنا مشكلة بعد فترة. يمكن أن يقولوا إن الجمهور يرقص وهناك اختلاط، أي يتفّهوا الموضوع إلى أتفه مستوى، كي لا يبقى لنا فرصة كي نتحدث عن الموسيقا وما فعلته بنا. هذا هو وضعنا باختصار شديد. وحين يسألونني عن الموسيقا وما تمثله لك كفنان عربي أقول إنني توقفت عن الحديث عن الموسيقا، لأنه لا وقت عندي إلا للحديث عن المشاكل الناجمة عنها.
هدى عصفور: لماذا نوع كالروك؟ لماذا اخترته الآن كخيار لك؟
خميس أبو شعبان: كما تعرفين، كل شخص يعثر على مود معين يشده.
هدى عصفور: لدي فضول كي أعرف من سمعت وأنت تكبر، من أثر بك؟
خميس أبو شعبان: كما أهتم بالروك أهتم بالبلوز في هذه الفترة لأنني أحب أن أطلع على كل الأشياء لأنني أعتبر نفسي في بداية حياتي الموسيقية، فما أزال أرى إلى أين أنا ذاهب وأين أريد أن أكون. مثلاً أعزف في هذه الفترة لعازفي بلوز كجو بوناماسا وزيزي توب وأسمع بوب كالإيغلز والفرق التي من المود نفسه. أسمع العرب مثل هيجان، مثل مربع، مثل يزن روزان، أسمع كثيراً من الأشياء والألوان. لكن ما يشدني الآن هو الروك والبلوز.
هدى عصفور: حلو كتير.
أنس النجار: أنس النجار، بكالوريوس موسيقا من المعهد العالي للموسيقا في القاهرة، تخصص آلة القانون، وحالياً مدرس آلة القانون في معهد ادوارد سعيد فرع غزة ومدرس نظريات موسيقية، وعضو في فرقة وتر باند.
هدى عصفور: أنس وخميس، من جمهوركم؟ هل تفكرون بالجمهور وأنت تشتغلون موسيقا؟
أنس النجار: جمهورنا على الأغلب هو جيل الشباب.
هدى عصفور: هل لديك إحساس بهذا أم تحذر؟
أنس النجار: لا على الأغلب الشباب. أتحدث معك بشكل جدي، حين نقيم حفلة في المركز الفرنسي مثلاً. كل الجمهور هو جيل الشباب.
إسماعيل داوود: لو دخلت على حفلاتهم في الإنترنت ونظرت في الجمهور ستعثرين على إجابة واضحة.
هدى عصفور: هل جمهوركم هو الموجود في غزة فقط أم أنتم كشباب في القرن الواحد والعشرين قادرون التواصل عن طريق الإنترنت مع العالم العربي ومع بقية العالم. هل تفكرون بجمهوركم على صعيد محلي أم على صعيد العالم؟
أنس النجار: أكيد نفكر على المستوى العالمي، لكن حالياً جمهورنا على حجم غزة، ويمكن أن يحدث شيء كهذا بعد الألبوم.
هدى عصفور: هل أنهيتم تسجيل الألبوم؟
أنس النجار: أنهينا تسجيله.
هدى عصفور: هل طبع؟
خميس: كما قال لك نحن متخوفون من الأمر، ونحاول العثور على طريقة معينة، أو تصريح لنقوم بإطلاق الألبوم، أو نقوم بحفل أو لا نقوم بالأساس، هل ننشر مباشرة على الإنترنت أم لا، هذه الصورة غير واضحة.
هدى عصفور: تحدثنا يا أنس من قبل عن موضوع الإنتاج في فلسطين، فمن أهم المشاكل في غزة أنه حتى لو كان لديك مُنْتج وكان هناك شغل عليه، طباعته وتوزيعه والتركيز على المنتج وتسليط الضوء عليه كي يفتح الباب لإنتاج ثان، هذه مسألة معطلة عملياً. قل لنا كيف تعملون في جو كهذا؟ أي أنك تعمل على مادة موسيقية وفي الوقت نفسه لا تعرف ما الذي سيحصل لهذه المادة. كيف يغير هذا في الإنتاج ويؤثر بك كموسيقي وعلى عملك؟
أنس النجار: ماذا أقول لك؟ كل ما نقوم به من أعمال موسيقية هو اجتهاد شخصي، الجهة الوحيدة التي دعمتنا بالألبوم هي مؤسسة عبد المحسن القطان، قدمنا أننا مجموعة شباب سنصنع ألبوماً. شاهدوا الفيديو “دوشة”، فأعجبهم هو والفكرة والاتجاه الذي نسلكه في الموسيقا والأغاني الخاصة بنا فبدأ الألبوم. والآن قصة انتشاره مشكلة، فأول شيء كما تعرفين هو أن غزة تحت حصار شديد، أي لا نستطيع الخروج أو الدخول، فقد دعينا إلى فرنسا وإلى مهرجان الياسمين في رام الله في الفترة الأخيرة لكن كل تصاريحنا رُفضت، أي أن هذه الفرقة ممنوع أن تشارك، أي أن البلد مغلق والإنترنت هو الحل الوحيد للنشر والوصول إلى الخارج.
هدى عصفور: أنتم لديكم يوتيوب فيديو اليوم وكان هذا أول إنتاج هو لفرقة ”وتر باند“، صحيح؟
أنس النجار: بالضبط.
هدى عصفور: لماذا تكملون؟ وما الذي يجعلك تذهب كل يوم إلى المعهد وتدرس وتشتغل، لماذا لا تبحث عن عمل آخر؟ أسأل من وجهة نظر شخص مستغرب لماذا أنت تشتغل على الموسيقى والوضع في غزة في هذا الشكل؟
اسماعيل داوود: سؤالك رائع، وأنت تعرفين إجابته ضمنياً، ولكننا نحن درسنا الموسيقا ودخلنا مجالها أولاً حباً وعشقاً لهذا التخصص، ولأننا فنانون بالفطرة والوراثة، فوالدي الأستاذ ابراهيم داوود فنان وموسيقار، وبالنسبة لأنس والده الأستاذ ابراهيم النجار أيضاً أستاذ موسيقا وموسيقار وفنان. لقد أحببنا الموسيقا وأحببنا أن نجعل منها لغة ورسالة عالمية كي نستطيع أن نوصل إلى العالم طموح وآلام وآمال حياة الشعب الفلسطيني وتراثه وهويته. هذه رسالتنا، نحن نحاول أن نبرق للعالم أننا نحب الحياة من خلال الموسيقا، نحن شعب فنان، فيه مبدعون، فيه فنانون، فيه هواة رائعون، لدينا كفاءات وتخصص في الموسيقا مثله مثل التخصص في الدول الأخرى، ولا يقلأهمية عن الشعوب الأخرى، من هذا المنطلق، لا نستطيع أن نستسلم، كيف نستسلم، ونحن أخذنا على عاتقنا هذه الرسالة الإنسانية الفنية العالمية.
خميس أبو شعبان: أنا أحس أن مدرسة الموسيقا الموجودة هنا هدفها أكبر مما نحن متخيلون، أو من رسالتها، وفكري بالأمر: من يوجد هنا يستطيع تعليم الموسيقى وخاصة بطريقة أكاديمية، وبمستويات وشهادات معتمدة، إلخ، ستتحدثين عن موسقيين وعن قاعدة موسيقية غير موجودة. كان هناك فيما مضى موسيقيون في غزة منهم من هاجر ومنهم من مات فخلت غزة من الموسيقيين، فإذا احتجت إلى كمنجات في الحفل لن تعثري على عازف. إن هذه المدرسة هي الوحيدة الموجودة والتي تضع القاعدة الخاصة بالموسيقيين والذين سنعثر عليهم أيضاً بعد 10 أو 15 سنة، ومنذ أن فتحت المدرسة في 2008 حتى اليوم إن نسبة الناس الذين نراهم في الشارع حاملين لآلةموسيقية زادت كثيراً جداً. أنت تتحدثين عن 500 طالب تقريباً مروا على هذه المدرسة، ما يزال يوجد منهم 200 وهناك 300 دخلوا وخرجوا، الذين دخلوا وخرجوا أخذوا فكرة عن الموسيقا ولم يكملوا، أما الذين بقوا فهم الذين ننتظر ما الذي سيفعلونه من الآن حتى عشر سنوات.
هدى عصفور: ما هي الفرق الموجودة؟ هل يمكن أن تذكروا أسماء، إذا أردت الدخول إلى ”ساوند كلاود“ أو ”يوتيوب“ على من أبحث؟
خميس أبو شعبان: غير فرقتنا بنفس المود هناك فرق ما تزال تعمل للظهور، وهناك فرقة اسمها تايبو، أو خطأ مطبعي وهي فرقة جديدة، في بداية الطريق.
هدى عصفور: ما النوع الخاص بهم؟
خميس أبو شعبان: هم يعملون على ألبوم وما يزالون في بداية الطريق.
هدى عصفور: ما النوع الذي يعزفونه؟
خميس أبو شعبان: أعتقد بوب. لم نسمع بعد شيئاً من أعمالهم. فبعد أن ينهوا الألبوم ستظهر الروح الخاصة بهم.
إسماعيل داوود: بالنسبة للموسيقا في غزة لو لم تعرفي أنس أو خميس لن تعرفي أن هناك وتر باند، وكيف إمكانية اتصالهم بالعالم. أولاً فرقة وتر هي من الفرق الموسيقية القليلة التي اتخذت طابعاً آخر غير الطابع المناسباتي الشعبي، عادة تنقسم عندنا الموسيقا في غزة خاصة حالياً بعد وجود معهد الموسيقى، وبعد إمكانية محمد عساف كظاهرة اجتماعية فنية حققت صدى كبيراً في فلسطين وفي العالم، لدينا فرق موسيقية شعبية تحيي الأعراس وهي قديمة كما تعرفين، وهي تنقسم إلى نوعين، الأول هو الأعراس العادية، ونوع الأعراس الملتزمة، الإسلامية، هذه الإسلامية صار لها آلاتها، أي صار لها عزف وغناء، لكن الكلام ليس كلام اللغة العصرية، نصفه مسيّسونصفه كلام ملتزم، أي مفرداته مختلفة عن الأغاني العادية، أي كلام مسيس أكثر مما هو شعبي. هناك القسم الثاني وهو القسم الأكاديمي الذي نكون فيه نحن كأساتذة، مستوى الجانب الطربي الذي هو للسمع وليس للرقص أو الحفلات، فقط نشارك في المهرجانات فحسب، أي نحيي اللون الطربي الذي من العصر الجميل كأم كلثوم وعبد الوهاب، أغاني فريد وعبد الحليم، وكارم محمود، إلخ كل هذه الفئة. هذا طبعاً من خلال الفرق التي هي الأساس، وفي المعهد أسسنا فرقة هي فرقة الموسيقا العربية وفي غزة نفعل هذا الشيء. النوع الثالث هو فرق مثل فرقة وتر باند، جو الراب، طبعاً يوجد فرق راب، وهناك فرق مثل البلوز والبوب، وأعتقد أنكم أنتم الفرقة الوحيدة وتر منهذا النوع.
خميس أبو شعبان: لدينا فرقة اسمها "صول تيم" ولكنهم شباب في بدايتهم.
إسماعيل داوود: هناك "درج تيم" أيضاً.
خميس أبو شعبان: هؤلاء فرقة راب. "د إي آر جي تيم". هؤلاء مقسمون في السويد وسويسرة، كانوا في غزة ثم هاجروا كلهم.
إسماعيل داوود: هناك أيضاً "بالستينيان رابرز" "بي آر".
أنس النجار: هؤلاء مغضوب عليهم.
هدى عصفور: لماذا؟
أنس النجار: ممنوع الراب.
هدى عصفور: هل هناك قانون يمنعه؟
أنس النجار: يقولون: لا نريد راب. هذا هو القانون.
إسماعيل داوود: المرة القادمة يمكن أن يمنعوا الجاز والبلوز. ما شاء الله، الجماعة مثقفون يفهمون في الموسيقى.
هدى عصفور: من المبهر بالنسبة لي أن تكون أسماء الفرق كلها فيها كلمات غير عربية.
خميس أبو شعبان: إذا سميتيها فرقة وتر تصبح فرقة عربية.
هدى عصفور: لماذا؟
خميس أبو شعبان: ستتخيلين أنها عود وقانون، تخت شرقي.
هدى عصفور: لكن تستطيع أن تغير، مربع يمكن أن تكون فرقة شرقية، أليس كذلك؟
خميس أبو شعبان: هذه تعود إلى روح الفنان في النهاية وأين هو. كما قلت، النمط الذي تقدمه الفرقة.
إسماعيل داوود: إذا كانت غربية يتعلق اسمها باسم أجنبي، إذا كانت شرقية ترتبط بالمقامات العربية مثلاً. لدي فرقة في المعهد اسمها فرقة أوتار شرقية تعزف النمط الشرقي، سماعيات، أغاني، طربيات، لونغات، معزوفات، لا تعزف غربي.
هدى عصفور: هل ترى من الضروري وجود فصل بين الأنماط، أعني أنت اليوم كعازف قانون ترى أنك تعزف كعازف قانون في وتر باند، أنت اليوم تعزف بيانو، أليس هذا صحيحاً؟
أنس النجار: ”كيبورد“.
هدى عصفور: هل للقانون محل في "وتر باند"؟
أنس النجار: بالطبع. في ألبومنا الجديد له أماكن كثيرة في الأغاني.
هدى عصفور: هل ترى أن هوية الفرقة يجب أن تكون داخل جنس معين، وهل يجب أن تكون إما في الجزء الغربي أو في الجزء الشرقي؟
أنس النجار: نحن في النهاية شرقيون، قد يكون طابع الموسيقى التي نعزفها غربياً قليلاً لكننا في النهاية شرقيون، لا يخلو الأمر أن تجدي في أغانينا عناصر شرقية، ففي النهاية لا تستطيعين القول إننا فرقة تعزف “غربي” فقط، أو لا يمكن أن تعزف “شرقي”، إذ تظل هذه هويتنا وثقافتنا، وبقدر ما نحاول أن نخرج من الجو المعتادين عليه إلا أننا في النهاية نعود إلى ما هو موجود وله طابع خاص عندنا.
هدى عصفور: ماذا كنتم تفعلون قبل إندي بوش؟
محمود جريري: أنا شخصياً في فرقة اسمها دام وهي فرقة راب، بدأت بالفرقة من سنة 1999 حتى اليوم، غير ذلك أعمل على التصميم لكن معظم وقتي هو للفرقة ولإندي بوش.
هدى عصفور: أنت تتحدث عن دام باعتبارها فرقة هكذا عابرة
محمود جريري: أتحدث وكأن الأمرعادي.
شروق قواريق: قبل إندي بوش كنت أعمل في منظمات دولية، عملت في الأمم المتحدة قليلاً، لمدة سنتين ولكن لم أعثر على نفسي في هذه المنظمات وكنت أرغب بأن أشتغل بالبزنس قليلاً وبأشياء مثيرة وجديدة. والآن أعمل في شركة تنتج ألعاباً وتبرمجها في رام الله.
هدى عصفور: تبرمج ألعاباً؟ هل يمكن أن تحدثينا أكثر؟
محمود جريري: هي شركة اسمها بنش بوينت وهي عبارة عن ثلاثة مبرمجين وكيمرز قرروا قبل سنة أنهم سيصنعون ألعابهم واجتمعوا مع بعضهم بالصدفة وكأن كل شيء حدث بالصدفة وقرروا إطلاق بنش بوينت وهي شركة ظريفة جداً في رام الله ودائماً نقوم باختراع أشياء جديدة. وهناك ضغط لأن موضوع الألعاب صعب وسوق الألعاب ليس سهلاً وهذا يدفعنا للقيام بأشياء أفضل.
هدى عصفور: كيف ولدت فكرة إندي بوش؟
محمود جريري: أولاً القائمون على إندي بوش هم أنا ومحمود جريري وعابد حتحوت وهو من فرقة خلص، فرقة روك ميتال ومعنا نهاد العويدات وهو المبرمج، وانضمت إلينا شروق بعد نصف سنة من بداية المشروع، ونظراً لصعوبة الترويج كما حدث معنا سابقاً قررنا في إندي بوش أن نبحث عن طرق جديدة وبديلة للترويج وعثرنا على طرق منها طريق المعجبين بالفنانين، ففي الموقع الآن يضع الفنان المستقل الألبوم والموسيقى ثم يأتي المعجبون ويصبحون الإنسايدرز الخاصين به ثم يبدؤون بالترويج له عن طريق الشبكة الاجتماعية الخاصة بهم وفي المقابل يحصلون على نقاط. كانت الفكرة الأولية الأساسية هي أن نساعد الفنانين في الترويج لكننا وصلنا فيما بعدإلى قصة الألعاب وقصة نظام المكافآت للهواة بما أنهم يساعدون ويقومون بالتشارك. هذه كانت البدايات، ومنذ ذلك الوقت بدأت إندي بوش بالتغير والتطور على هوى ما نشعر ونرى لدى المعجبين ومن الفرق أيضاً.
هدى عصفور: والفكرة هي نوعية على مستوى العالم العربي فأنتم منبر فريد.
محمود جريري: الحقيقة كمنبر يدخل الكيمينغ ما نزال في أول الطريق. ما نزال نكتشف إلى أين نقدر أن نصل، خصوصاً في الكيمينغ والسيكولوجيا الخاصة بها وكيف يمكن أن أن ندخل الكيمينغ في صناعة الموسيقا، وهكذا نفيد الفنانين والفنانين المستقلين الذين ليس لديهم شركات إنتاج كبيرة أو شركات أسطوانات كبيرة.
هدى عصفور: ما عدد الفنانين على الـ" ويب سايت" الخاص بكم؟
محمود جريري: حالياً وصل العدد إلى 85.
شروق قواريق: 93.
محمود جريري: ممكن. يجب أن أفحص. لم أفحص من فترة.
شروق قواريق: لأمور تتغير بين يوم وآخر.
هدى عصفور: هذا خبر جيد.
محمود جريري: في الأيام القليلة السابقة خمسة فنانين جدد دخلوا إلى الموقع. بهذا العدد شارفنا على الوصول إلى المائة. لكن الفرق بين إندي بوش وساوند كلاود هو أن الفنانين في الحقيقة لا يسجلون في البيت ومن خلال ميكروفون اللاب توب، أي غير محترفين، بل الفنانون الذين إما لديهم ألبومات كاملة وإنتاجات ويهمهم الإعلان عن أعمالهم وأن تدعمهم الناس وتشتري منتجاتهم.
هدى عصفور: وكيف توزيع الفنانين على مستوى العالم العربي؟
محمود جريري: حالياً الأكثرية هم من فلسطين ومن الأردن ومصر، الأكثرية من فلسطين هذا ناجم عن وجودنا نحن كفرفة إندي بوش مقرنا هو هنا. هو بين رام الله واللد وعكا. ولكن لدينا فنانون من تونس والمغرب والعراق، واليوم دخل فنان من زمبابوي. في النهاية فكرة إندي بوش هي ألا تكون فقط للموسيقا المستقلة العربية، بل لكل الموسيقا المستقلة، فالمشكلة كما أراها هي مشكلة كل الفنانين المستقلين وليس فقط الفنانين العرب، فالفنان المستقل في ألمانيا يواجه مشاكل الترويج.
هدى عصفور: وكيف تصلون إلى الفنانين في فلسطين؟ ما هي الآليات التي تتوسعون من خلالها؟
شروق قواريق: مبدئياً نعمل مع أصحاب محمود، ولكن فلسطين صغيرة كما تعرفين الوسط الفني كله يعرف بعضه، لهذا نعتمد الآن على العلاقات الشخصية وبدأنا شراكات مع اندبندنت ليبلز مثل سامر جرادات. لدينا شراكات في عمان، مثلاً مع بلبلة التي تمثل مربع وسيفن سولز ولدينا في مصر مع "نوى ريكودنغ"، صحيح محمود.
محمود جريري: وفي لبنان مع النهاية والمسلخ.
شروق قواريق: وكذلك نصل إلى الفنانين من خلال شركات الإنتاج التي لديها رؤيتنا نفسها والتي عندها الفنان هو الأولوية. فالفكرة العامة لدينا هي أن يقدر الفنانون على العمل على الموسيقا الخاصة بهم. لذلك يجب أن يكون دخلهم كافياً للتفرغ للموسيقا كي يبدعوا موسيقا جميلة. كما نحب أن نشارك الناس الذين يفكرون مثلنا. وليس الذين يبحثون عن تأمين النقود والمعيشة الجيدة من الموسيقا. فالفرق المستقلة لديها مشاكل في الترويج والموارد التي تساعدها على الوصول إلى مستوى عال، ولكن بما أنه لدينا منصة تجمع كل هؤلاء الفنانين المستقلين فقوتهم المجتمعة تجعلنا نوفر لهم أشياء كثيرة، لا يستطيعون تأمينها بأنفسهم بالإضافة إلى الترويج والتسويق والمهرجاناتوالمناسبات التي نقوم بها معاً. وما يمكن أن توفره شركات الأسطوانات وريكورد ليبلز ممكن أن نوفرها نحن لهم.
هدى عصفور: هل كان هناك أية مهرجانات أو مناسبات عن طريق إندي بوش، كرعاية أو حتى كفكرة؟
محمود جريري: هناك فكرة، لكننا لم نقدر على إحياء الحفل بعد، فنحن ما نزال في بداية الطريق وهذا يتطلب بذل جهد كبير من ناحية القدرة على تنظيم كونسرت ولكن هذا موجود لدينا في الخطط.
هدى عصفور: إن عملية الإنتاج في العالم كله معقدة، وفي العالم العربي أعقد وفي فلسطين أكثر تعقيداً. حدثونا قليلاً عن حركة الإنتاج في فلسطين، ما شكل الساحة الفنية، وما خصوصية هذه الساحة اليوم في العالم العربي أو في العالم إجمالاً؟
محمود جريري: يجب بذل جهد كبير، فالفنان في فلسطين يجب أن يكون فناناً و مروجاً ويعرف بالتصميم وكيف يطبع السي ديز، وكيف يحكي مع الناس في الوقت نفسه.
هدى عصفور: عملية كاملة.
شروق قواريق: عملية كاملة، لا يوجد كثير من الأشخاص المتخصصين، تعثرين على أشخاص ينتبهون إلى عملية التسجيل الكاملة وتوزيع الموسيقا، وطباعة البوسترات، ويتحدثون مع المحلات التي ستستضيف الفنانين ويقومون بعملية التسويق للموضوع. لكن من المفروض نشر كامل وفي كل نقطة أن يكون هناك شخص مختص يساعد الثاني، وفي مرات ترين شخصاً يقوم بكل هذه الأمور، أو الفرقة نفسها. أما في مصر ولبنان فأعتقد أن الأمر مختلف يوجد تخصص أكثر، وهناك أشخاص مختصون في العرض وفي الإعلام الاجتماعي والترويج على الأرض، لكن في فلسطين أعتقد أنه لا يوجد شيء.
محمود جريري: لا يوجد شيء، كما هناك اختلاف بين المناطق، فالفنانون الذين يعيشون في أراضي ال 48 لديهم مساحة أكبر للإنتاج من الدين يعيشون في أراضي ال 67، أو يمتلكون فرصة السفر إلى الخارج أكثر، فالمشاكل التي يواجهها الأشخاص الذين يعيشون في رام الله وغزة أنهم يشتغلون ألبومات لكن هناك مصاعب ومشاكل تواجه خروجهم بسبب الاحتلال الذي يتدخل هنا في كل تفاصيل الحياة، في الفن وفي السياسة. لكن الجميل أنك ترين الناس لديهم طاقات كي يقدموا وينتجوا موسيقى ويبدعوا حتى لو لم يكن هناك شركات إنتاج، حتى لو لم يكن هناك راديو، ولو كان هناك راديو فإن أغلب الأغنيات التي يبثونها هي ليست من فلسطين أو لموسيقيين منها، ورغم ذلك تجدين أن هناك حركة مستقلة واسعة، وقد ظهرت أكثر من فرقة، وصار لها أسماء في العالم العربي. منها هوى دافي وتيريز التي قامت منذ فترة بجولة في مصر.
هدى عصفور: كيف التقيت مع تيريز؟ كيف بدأ الشغل؟
سامر جرادات: أنا أحب ما تفعله تيريز على الصعيد الموسيقي، وأنا أعتقد أن لديها شيئاً خاصاً جداً. وهي مهمة جداً في الساحة الفلسطينية ويجب أن يكون لها دور أكبر بكثير مما هو موجود. كان يؤلمني أن تيريز ليس لديها ألبوم، وقد فاجأني هذا الموضوع كثيراً. اتصلت بتيريز من أجل موضوع آخر، فأخبرتني بأنها تعمل على عرض فما رأيك بأن ننتجه ونوثقة بطريقة معينة، فاتفقنا على اللقاء وهكذا حدث الأمر. فمن خلال هذا الهاتف قررنا إنتاج الألبوم وتم إنتاجه في وقت قياسي وبطريقة احترافية جميلة.
تيريز سليمان: قادمة من دوشة الشغل. أنا أعمل في العلاج بالصوت والحركة في مستشفى بقسم أطفال مكفوفين من جيل الطفولة المبكرة، وفي موضوع العالج أعمل كفريلانس أيضاً من خلال ورشات نسائية. بخلاف ذلك، عملي الرئيسي هو الموسيقى.
هدى عصفور: تيريز، هل نشأت في عكا؟
تيريز سليمان: هذا المثلث. هذا السؤال يستفزني منذ كنت صغيرة، لأنهم يعرفونني باسم الفنانة الحيفاوية، وكان الموضوع يستفزني لأنني كنت أعرف نفسي منذ أن كنت صغيرة بأنني من عكا. وفي مرحلة أكبر صرت أقول عكا وحيفا والبعنة، والآن أقول إنني قادمة من هذا المثلث، كأنني عدت إلى جذوري. أنا من مواليد حيفا لكن طفولتي كانت في الأساس في عكا، وأمضيت معظم وقتي في عكا لأن أبي وأمي منها، وعائلة أمي كلها في البعنة، قرب الرامه، فعملياً هناك خلطة بين المدينة والقرية، ولذلك أشعر أنني من هذه المحلات الثلاثة. الألبوم عملياً هو توثيق للعرض الموسيقي “تيجي نحلم” مع مجموعة موسيقيين من مجدل شمس، ألحان وتوزيع يزن ابراهيموأعضاء الفرقة الجميلون جداً كلهم من مجدل شمس، وهم في الأساس أعضاء فرقة "توت أرض"، رامي حسن، عمر شادي، ويزن، بالإضافة إلى هيلانة خاطر، والألبوم يتحدث عن الحب والأمل، بالأمل بالناس والأمل بالحياة رغم كل شيء.
شروق قواريق: أنا عندي سؤال لك محمود.
محمود جريري: أنا لا أرد إلا على هدى.
هدى عصفور: دخيلك اسألي شروق.
شروق قواريق: أحس أنه سنة بعد أخرى صارت الناس تهتم بالوطن العربي وخصوصاً بفلسطين وكثيراً ما تحدث أمور جيدة في العالم. هل ترى في الموسيقى أنه صار هناك طلب أكثر على فنانين من المنطقة في المهرجانات الأوربية وما شابه؟
محمود جريري: بالطبع، مثلاً دام شاركت في مهرجانات كبيرة، وأيضاً ومض منصة جيدة للفنانين. لكنني أرى أن كل الموسيقا المستقلة في العالم العربي بدأت أخيراً تأخذ منصة وأظن أن هذا حدث بمساعدة الإعلام الاجتماعي، وأنه ليس من الصعب على فنان من فلسطين أو الأردن أن يوصل موسيقاه بخلاف الوضع كما كان منذ عشر أو خمس عشرة سنة. قنوات التلفزيون الموسيقية توقفت عن لعب دور كبير، ما صار يلعب دوراً كبيراً هو اليوتيوب والفيسبوك وتويتر. كم تنتج، وكم تكون مرئياً للعالم، وهذا يساعد الموسيقا المستقلة لأنه أخيراً تستطيع الناس أن تسمع الفن والفن الآخر، وصارت المسألة في النهاية مسألة اختيار إذا كنت لا تريد السماع للفن الآخر، ولكنالأمر يختلف عن السابق حين كانت السيطرة لقنوات موسيقية. وفقط حيث ما تراه هو ما تعرفه. وهذا من أفضل الأمور التي حصلت للموسيقا المستقلة أو البديلة أو الناس الذين قرروا خلق قاموس ثاني في الغناء غير السائد.
هدى عصفور: هل يمكن أن تحدثنا عن تجربتك كموسيقي وليس كجزء من حلقة الإنتاج، لقد تحدثت قليلاً عن تجربتك مع دام، لكن هل يمكن أن نتوسع بما أنه لديك اطلاع على الساحة الموسيقية الفلسطينية؟
محمود جريري: ربما كنت محظوظاً قليلاً مع الفرق، وكان هناك ثلاثة أشخاص من اللد، أول الناس الذين يغنون الراب. وقدم هذا لنا دفعة كبيرة إلى الأمام، وخصوصاً حين ظهرنا. كان هذا في 1999\\2000،. وقت الانتفاضة الثانية وهذا ساعدنا بالخروج إلى العالم وأن نرى العالم ونذهب إلى مهرجانات ونطلع على كيفية صناعة الموسيقا ونأخذ كل هذه المعلومات ونرجع إلى الاستديو والعمل ونطبقها أو نتأثر بها. لكن المسيرة كانت صعبة جداً وأنا أتذكرها، فقد كان علينا أن نبدع موسيقا وفي الوقت نفسه كفنانين أن نبني المنصة من جميع النواحي حتى من ناحية إقامة حفلة في أي مدينة، أو أي مكان لم تكن الناس تعرف في ذلك الوقت ما هو الراب، ولا يعرفون أنيصنعوا إيقاعاً (ساوند) للراب. الميكروفونات لم تكن تعمل، وكنا نعرض في أعياد ميلاد بعضنا، لم يكن هناك شركات إنتاج، وكنا في البداية ننزل الموسيقا (الانسترومينت) من الانترنت، ونعمل عليها راب. كنا نفعل هذا إلى أن أصدرنا ألبوماً في 2006 بمساعدة من شركة بريطانية هي آر سي إم.ومن 1999 إلى 2006 أصدرنا الكثير من الأغاني المفردة لكن استغرق الأمر ست سنوات كي نصدر ألبوماً، لهذا أقول إن الإنتاج الموسيقي صعب جداً في فلسطين، وليس هذا ناجماً عن عدم قدرتنا على أن نصنع ألبوماً، نحن الثلاثة تامر وسهيل وأنا لدينا دفاتر مليئة بالكلمات لكن الصعوبة هي في العثور على المنتجين أو الراديو أو التلفزيون، هذا ما واجهناه من صعوبات وهذاما يواجهه جميع الفنانين الفلسطينيين هنا. يواجهون صعوبة في الإنتاج وفي السفر أيضاً.